كانت داريا ولا تزال كبرى حواضر الغوطة الغربية حول دمشق, ولعل قربها منها جعلها تعيش نفس الأجواء والأحوال التي كانت تسودها؛ مع فارق الجو الريفي الزراعي الذي كان يعمها؛ فداريا وهي بلد تحيطها البساتين والخضرة من كل جانب ويأتيها النهر الأعوج من غربها ليروي كل ما في غربها من بساتين ويأتيها نهر بردى من شرقها ليروي كل ما في شرقها من أراضي ولتلتقي فروعهما في بعض نواحيها ليكملا ري البلد بكل أقسامها.
كان سهلها أرضا لا وعورة فيها ولا جبال؛ خصبة معطاء أشجارها طيبة تغطي أراضيها وطرقها؛ حتى أن السائر يمشي الطريق الطويل فلا يرى الشمس أبدا؛ فالظلال وارفة والأغصان ملتفة والمياه العذبة تملأ جداولها وأنهارها والبساتين عامرة بكل ما جاد الله به عليها من نعم وأرزاق. وهي بلد العنب الذي ما عرف الناس أشهى ولا أظرف ولا أطيب منه في كل الديار.
كان معظم الناس في داريا آنذاك يعملون في الأرض يزرعونها ويبيعون محاصيلهم في دمشق وما حولها، ولم تكن الكهرباء قد وصلت إليها، واقتصرت وسائل النقل على الدواب غالبا والدراجات الهوائية أحيانا.
مدارس البلد كانت مقتصرة على مدرسة ابتدائية واحدة، مع بعض الكتاتيب التي كان يعلم فيها مشايخ تلقوا العلم على بعض علماء دمشق، ولهذا السبب رأينا الجهل يعم البلد كسائر بلاد الشام ذلك لأن أكثر الأطفال والشباب لم يتسن لهم دخولها.
وهناك في البلد عدة مساجد يرتادها المسنون فقط أما الشباب فكانوا بعيدين عنها شغلهم العمل أو الجهل أو طيش الشباب.
كما كانت هناك في الحارة الجنوبية بيوت للنصارى تجمعت حول كنيستين قديمتين يعيش أهلها كما يعيش أهل البلد يلبسون كما يلبسون ويعملون في التجارة والنجارة وضمت إحدى الكنيستين المدرسة الابتدائية التي فتحها فيها الفرنسيون إلى أن نقلت إلى بناء جديد نتيجة مطالبة الأهالي .وكما العادة في كل الحواضر كان في البلد عدة مخاتير ووجهاء، وكانت هناك أسرة دمشقية تمتلك أراض كثيرة فيها هي عائلة البكري وكان عميدها أنور البكري الإقطاعي المتنفذ في البلد يجمع للعثمانيين الضرائب والأتاوات واستمر له هذا الأمر في العهد الفرنسي، ولهذا كان الناس يحسبون له كل حساب .