محمد بدوي الديراني.. خطاط سوري من مواليد دمشق – داريا عام 1894 وتوفى فيها عام 1967. يعتبر أحد أبرز أعلام الخط العربي في سوريا خلال القرن العشرين.. تتلمذ على يديه عدد كبير من الخطاطين والتشكيليين الحروفيين المعاصرين في سوريا.
عندما بلغ الثانية عشرة من عمره، ابتدأ رحلته مع الخط، حيث تتلمذ على يد الخطاط الشهير مصطفى السباعي ولمدة خمس سنوات، لازمه خلالها وأخذ عنه قواعد الخط الفارسي، ثم تابع دراسة الخط العربي على يد الخطاط يوسف رسا الذي أرسلته الحكومة العثمانية إلى دمشق لكتابة ألواح الجامع الأموي ولازمه الديراني في عمله لمدة أربع سنوات، أخذ عنه خلالها قواعد الخط الديواني والثلث والنسخ والرقعة. اتصل الديراني بالخطاط الشهير ممدوح الشريف فأخذ عنه قواعد الخط الكوفي والديواني الجلي. وفي العام 1954 سافر إلى استنبول للإطلاع على فرائد الخط العربي فيها، وفيها نزل ضيفاً على الخطاط الشهير حامد الآمدي. كما زار الديراني الإسكندرية، فاطلع على الخط المرقوم في مساجدها، وقابل مشاهير الخطاطين فيها، ومن الإسكندرية سافر إلى القاهرة ونزل ضيفاً على الخطاط حسني البابا، ثم عاد إلى استنبول، ومنها إلى النمسا حيث كان ولده البكر يدرس الطب فيها.
بعد استكماله لعلوم وقواعد الخط العربي افتتح الخطاط بدوي الديراني مكتباً في التكية السليمانية وسط دمشق، متخذاً الخط حرفة ومهنة، وقد مكث في هذا المكتب نحو أربعين عاماً دَرّس في أثنائها فن الخط العربي لهواته ومحترفيه. وكان يريد نسخ القرآن الكريم بخطه، لكنه لم ينجز منه سوى ثلاثين صفحة من سورة البقرة.
ترك الخطاط الديراني مجموعة كبيرة من الأعمال الخطيّة الفنيّة الرفيعة في مستواها الجمالي، وإتقانها الحرفي، بعضها حملته العمائر المدنيّة، وبعضها الآخر الدينيّة، منها الكتابات التي ترصع جوامع: الروضة، والمنصور، والثريا، وكريم الدين، والمرابط، والعثمان، والفردوس… وغيرها من بيوت الله في دمشق.
ومن المنشآت المدنية التي تحتضن أثاراً بديعة له، مبنى مجلس الشعب، ومبنى لجنة مياه عين الفيجة، ووزارة العدل، وكذلك شهادات خريجي جامعة دمشق وحلب، وله كتابات ولافتات كثيرة على أبواب الدور والمتاجر والمكاتب. ومن أثاره في الدول العربية خطه المرقوم في جامع الخلية السعودية في بيروت ولافتات ودليل غرفة تجارة الكويت.
مُنح الخطاط بدوي الديراني عام 1968 وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى، وقد استلمه أبناؤه وأقيم على هامش هذه المناسبة معرض لأعماله في قاعة المعارض في متحف دمشق الوطني وأفرد ضمن المعرض جناحا خاصا لأعمال كبار الخطاطين السوريين المعاصرين.
يقول الخطاط العراقي الشهير هاشم البغدادي إن بدوي الديراني كان خطاطاً كبيراً، سحره في تناسب الكتلة لا يدانيه أي خطاط في عالمنا الكبير. طبع شاميته على خطه، وانتقى لنفسه منهجاً تميز به عن أساليب الفرس.
أما الخطاط والباحث في الفنون الإسلاميّة وأحد تلاميذ الخطاط الكبير بدوي الديراني الأستاذ (أحمد المفتي) فيرى أن أهم ما يميز بدوي هو قواعده التي سكبها على خط التعليق والتي امتازت بالبساطة واليسر والوضوح والتجاوز عن الغلوّ والتقعير والتنافر.
ويؤكد انه اقتفى في خطوط اللوحة الفنيّة خطوات الأساتذة الذين سبقوه وحاول أن يلتزم بالميزان في نسبة الحروف وأضاف التوازن إلى المد والقصر، وحاول أن ينسّق فيما بين الكتل، وقد يتجاوز القاعدة أحياناً لسلامة التذوق.
ويشير الباحث المفتي إلى أن بدوي سحر الناس بجمال خطه في التعليق وأصبح الأستاذ والخطاط المتفرد في بلاد الشام بعد وفاة أستاذه وصديقه ممدوح الشريف سنة أربع وثلاثين وتسعمائة وألف ميلادية، ويرى أن ما قدمه خطاط بلاد الشام لخط التعليق من العناية والدراية، رفع التذوق الفني في نفوس العامة والخاصة في بلاد الشام وأصبح رجال الفكر والتعليم يدركون ما للخط من أهمية في حياة الإنسان، فأدخلوه ضمن البرنامج التعليمي وقد تعلم على يديه، إضافة إلى أعلام الخط السوريين المعاصرين، بعض الكتاب والشعراء منهم: نزار قباني، الدكتور شاكر مصطفى، نجاة قصاب حسن، ياسر المالح… وغيرهم.