المؤرخ محمد بن محمد حسن شُرّاب ولد في مدينة خان يونس في قطاع غزة سنة 1938م في جنوب فلسطين التي تبعد عن حدود سيناء حوالي عشرة أكيال وأصل البلدة (خان ) بمعنى الفندق أو النـزل بناه وزير السلطان برقوق (يونس ) فأضيف إليه .
تعلم في خان يونس وفي سنة 1954ارتحل إلى الأزهر بالقاهرة لتلقي العلوم أمضى فيه أربع سنوات سمع خلالها من عدد من أعلام الأدب بمعناه الواسع مثل : طه حسين – عباس العقاد – محمد أبو زهرة – سيد قطب – أحمد الشرباطي – البشير الابراهمي – عائشة عبد الرحمن ( بنت الشاطئ ) – محمد حسن الباقوري – محمد الغزالي . وغيرهم .
وفي عام 1958م ارتحل إلى دمشق والتحق بكلية الآداب قسم اللغة العربية وتخرج منها عام 1963م وحصل على دبلوم التربية وطرق التدريس من كلية التربية بجامعة دمشق عام 1964م .
ارتحل إلى السعودية للعمل في وزارة الأوقاف عام 1964م وكانت البداية في مدينة حائل أمضى بها سنة ثم أربع سنوات بالدمام بعدها انتقل إلى المدينة النبوية أمضى فيها خمساً وعشرين عاماً كانت سنوات خير وبركة ونور كل ساعة تساوي يوماً في الإنتاج والابداع كتب فيها أجمل مؤلفاته وأودع المكتبة العربية ذخيرة أدبية ما كان بمقدوره عليها إلا في الجوار الكريم حيث بدأ الكتابة عام 1985م إضافة لعمله بالتدريس وفي عام 1994 أنهى عقد عمله بالسعودية وقرر العودة لبلاد الشام بالمعنى التاريخي أي دمشق حيث يقول :
(( كنت في سنة 1967م قد حرمت العودة إلى مسقط رأسي خان يونس لأن اليهود المحتلين لم يعترفوا إلا بمن كان في البلاد يوم الغزو وقد كنت يومها ( شهر حزيران ) أعمل في السعودية فاخترت دمشق دار إقامة . دون إذن من أي جهة لأن الإقامة في سورية مباحة لكل عربي واشتريت بيتاً للسكن . آوي إليه في الشيخوخة إن لم يقدر لي الله العودة إلى خان يونس . ولأن السعودية لا تبيح للأجنبي أن يمتلك بيتاً فيها والعربي عندهم أجنبي ، فانضويت إلى حي المهاجرين في دمشق . بجوار أهل زوجتي وأخوال أولادي الدمشقيين .. وأنا لم أختر المهاجرين ولكن هو الذي اختارني أو جاء مصادفة . صادفت معاني ومشاعر كامنة في النفس ف ( المهاجرون ) يشير إلى معنى الهجرة والهجرة لها إيحاءات تاريخية قديمه وحديثه عشقت حي المهاجرين لأن اسمه يوحي لي بالصبر والعناء والجهاد .. ولكن عشق المهاجرين لم يمنع الحنين إلى مسقط الرأس خان يونس وقد قال الشاعر قديماً
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى كم منـزل في الأرض يألفه الفتى |
ما الحب إلا للحبيب الأول وحنينه أبداً لأول منـزل |
فالحنين إلى مسقط الرأس طبيعة بشرية وليس عصبية إقليمية أو قومية فقط وقد تشوق النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة بعد الهجرة إلى المدينة فقال لمن قدم منها يصف أنحائها ( دع القلوب تقر في مكانها ) .
لم ينقطع حنيني إلى خان يونس منذ ارتحلت منها طلباً للعلم سنة 1954 ومع أنني كنت في العقد الأول من الارتحال : أزورها فأروي ظمأ الشوق وأجداد زاد الذكرى لري الذي لا يكون بعده ظمأ لا يكون إلا في جنة الآخرة حيث اللقاء الذي لا يكون بعد فراق والنعيم لا يخطر على قلب بشر أما الدنيا فإنها لا تستقر على حال . فكان حالي مع خان يونس إذا ما زرتها كما قال الشاعر :
يموت الهوى مني إذا لقيتها | ويحيا إذا فارقتها ويزيد |
والأمل في اللقيا وحط عصا الترحال في جوار ( من ) تحب بعيد الوقوع في حساب الأفراد وقد يكون قريباً في حساب الأمة التي ليس لحياتها أمد في الدنيا كنت وما زلت أرجو اللقاء فيحقق على جنال الخيال الطائر أو الطائر الخيالي . أنشد قول القائل :
أسرب القطا هل مَن يعير جناحه | لعلي إلى من قد هويت أطير |
ولِما ألمّ بي من حرقة الشوق أردت أن أُلهي النفس عن الغائب بحاضر مصنوع لعله يروي بعض الظمأ فاخترت داريا بعد المهاجرين دار إقامة ومنتجعاً ، تسلية للنفس عما فقدت ومن هنا أروي قصتي مع داريا . أقدم من قصتي مع المهاجرين .
كانت المهاجرين هي الأقدم في سكن البدن لكن داريا هي الأقدم في سكن لنفس وفي سكنها . وبدأت القصة سنة 1959أو سنة 1960م عندما التقيت الطالب حسين سليم أسد في كلية الآداب بجامعة دمشق حيث جمعتنا الدراسة في قسم اللغة العربية . وقدم نفسه أنه من داريا إحدى قرى الغوطة وأتبع ذلك بقوله ( شرفونا بزيارتكم ) أو ما معناه وكرر الدعوة وألح في طلب قبول الدعوة . فأبواب أهل الريف مفتوحة للضيف القريب والغريب . ولبيت الدعوة وقصدت حسين أسد أبا سليم في بيته وكانت بداية تعلق القلب بداريا .. ودامت العلاقة مع الأهل والأرض في داريا .. وقلت الأهل لأنني كنت في كل زيارة أسمع هاتفاً يقول نـزلت أهلاً ووطئت سهلاً . وصار محمد عضواً من هذا الجسد الأهلي الذي تتداعى أعضاؤه بالسهر إذا اشتكى محمد ألماً . الأم ( أم حسين ) تعده أخاً لابنها حسين وهو يدعى بين أهله حسين وصار أولاد حسين يعدون محمد عمّاً .
واستجابة لنداء هذا الود المتصل بحبل الأخوة والأهلية والأدب قررت اتخاذ بيت في داريا منذ سنة 1985 أو حول هذا الزمن كنت أنـزل البيت صيفاً في أثناء الإجازة السنوية ثم اتخذته دار إقامة دائمة منذ سنة 1994م حتى هذا اليوم 2001م . وبهذا التاريخ المتصل بداريا من سنة 1959-2001م أظن أنني أهل لنوال التابعية ( الجنسية ) الدارانية وأن أترجم في أهلها لما جرى به العرف التاريخي والعلمي حيث يقال في النسبة محمد شراب الخان يونسي الغزي الداراني لما أرى أنني سمعت من أهل داريا وسمعوا مني فكان الأثر في الطرفين )) .
أثناء عمله بالتدريس في السعودية كان جدوله الأسبوعي يتضمن أربعاً وعشرين ساعة تدريس ويعمل مساء في مدرسة ليلية ويكتب الأبحاث المطولة والمقالات الأدبية للصحف والمجلات السعودية الأسبوعية والشهرية . كتب آلاف الصفحات في الصحف والمجلات الأدبية ولم يضمنها كتبه ولم ينشرها في كتاب لظنه أن ما ينشر في مجلة أو صحيفة لا يكون في كتاب ولئلا يكرر نفسه أو ينشغل بما كتب عما يجب أن يكتب .
ونظرته للتاريخ فهو لا يحب أن يوصف بالمؤرخ لأن التاريخ في نظر العامة أو مفهومها هو ( فلان ضرب وفلان هرب ) والتاريخ ليس تاريخ السلاطين وما دار بين الناس من الحروب فهذا من جانب صغير منه كما لا يجب أن توضع آثاره في باب التاريخ . فالتأريخ هو الحياة التي عاشها الإنسان في السياسة والاقتصاد والعلوم والفنون القولية والعمرانية . ويحب أن يجمع ما كتبه تحت عنوان ( الأدب) بمعناه الواسع .. والأدب بمعناه الواسع كل ما أنتجه الإنسان وكل ما تأثر به .
الأدب : بمعنى التربية . كما قال صلى الله عليه وسلم ( أدبني ربي فأحسن تأديبي ) وللأدب فنون كفنون النويري ونهاية الأرب في فنون الأدب ونذكر أعماله مرتبة حسب صدورها زمنياً :
1- المدينة المنورة في العصر الأموي .
2- أخبار الوادي المبارك ( العقيق ) .
3- المعالم المثيرة في السنة والسيرة .
4- في أصول التاريخ العربي والإسلامي .
5- معجم بلدان فلسطين .
6- الشوارد النحوية والفوائد اللغوية .
7-بيت المقدس والمسجد الأقصى .
8- تميم الداري راهب أهل عصره وعابد أهل فلسطين .
9- الإمام الزهري .
10- أبو عبيدة الجراح .
11- عز الدين القسام .
12- المدينة النبوية فجر الإسلام وعصر الراشدين .
13- أسماء المدن والقرى الفلسطينية وتفسير معانيها .
14- القول المبين في تأريخ القدس وفلسطين .
15- قضية ولا صلاح الدين لها .
16- العرب واليهود في التاريخ .
17- الحديث النبوي مصدراً للتشريع .
18- أنساب أهل فلسطين ( الحمايل والقبائل والعشائر ) .
19- التضليل التواتري .
20- حسان بن ثابت .
21- الشواهد الشعرية في كتب النحو .
ولترجمة الأستاذ محمد شُرّاب كانت تلك القصة المؤثرة والهادفة فها هي بخط يده.